في أوضاع مختلفة واستثنائية وحزينة، يحل رمضان 2024 في فلسطين، حيث حلّ رمضان 2024 مع استمرار الحرب على قطاع غزة، والتي ألقت بظلالها على كل فلسطين، رغم أن أثرها الأكبر والأقسى يبدو جلياً على الفلسطينيين في القطاع. كيف يعيش قطاع غزة رمضان 2024؟
رمضان غزة 2024 | استثنائي في فلسطين
الحديث يطول ويطول عن العادات والتقاليد والطقوس الرمضانية في فلسطين، حيث تمتلك البلاد إرثاً حضارياً وتاريخياً لا يمكن اختزاله سواء على صعيد رمضان أو غيره، لكن ارتأينا في هذه المادة أن نُسلّط الضوء على أبرز الاختلافات بين رمضان 2024 في غزة وبين الأعوام السابقة.
الحرب في غزة
رمضان في قطاع غزة استثنائي وحزين وموجع، مع استشهاد عشرات آلاف الشهداء وإصابة مثلهم، وآلاف الفلسطينيين مُصنّفون على أنهم "مفقودين". كل هؤلاء لهم عائلات وأهالي يفتقدونهم في كل يومٍ وعند كل يوم مناسبة.
- هناك عائلاتٌ كاملة أُبيدت وممسوحة من السجل المدني، حيث لم يعد لهذه الأسر أي وجود سوى في شهادات الوفاة بعد استشهادهم، وهناك أُسر لم ينجو منها إلا فرد أو اثنين ليتشربوا حسرة الذين فارقوهم.
- الجرحى وعائلاتهم هُم الآخرون يتجرعون الألم والحسرة، مع الخروج الخجول للجرحى ذوي الحالات الحرجة للعلاج في الخارج عبر معبر رفح (يومياً يخرج 40 جريحاً فقط) من أصل أكثر من 7000 جريحٍ بحالة حرجة.
- المفقودون وعائلاتهم أيضاً هُم صفحة أليمة، فهذه العائلات معلّقة بين السماء والأرض، ولا تعرف مصير ذويها المفقودين، هل هم شهداء وتحللت جثامينهم؟ أم هل هُم اعتقلوا في السجون الإسرائيلية مع إخفاء هوياتهم؟، أم كانوا أحياء وماتوا تحت الركام بسبب عدم توفر إمكانيات الإنقاذ المتطورة؟
صائمون قبل رمضان!
في قطاع غزة وتحديداً في الشمال منه، مئات آلاف الفلسطينيين كأنهم "صائمون لم يفطروا"، بسبب المجاعة التي تفشت منذ أشهر قبل رمضان 2024 حيث استمر الحصار المشدد عليهم، وبعد اشتداد المجاعة بدأ تنفيذ فكرة الإنزالات الجوية للمساعدات والتي لا تكفي إلا لعدة أسر صغيرة.
- الإنزالات الجوية ساعدت بعض العائلات، لكنها قتلت عدداً من الفلسطينيين بينهم أطفال، بسبب سقوط مباشر لصناديق المساعدات دون فتح المظلات!، وهذا تسبب أيضا بتدمير ألواح الطاقة الشمسية بمستشفى المعمداني في غزة!، مع الحاجة للكهرباء وانقطاعها المتكرر.
- في قطاع غزة، آلاف العائلات الماء هو سحورها وفطورها، بسبب المجاعة وشح الغذاء والمواد الأساسية. في شمال قطاع غزة وحده هناك أكثر من 650 ألف فلسطيني محاصرون منذ أشهر.
- الطحين الذي لا يصل إلا قليلاً جداً ولا يكفي، دفع الفلسطينيين للجوء لأساليب قاسية بهدف سد الجوع، مثل: طحن طعام الدواب والأغنام والماشية "الأعلاف"، لمحاولة صنع شيء يشبه الخبز منه.
- الأطفال والعائلات بدأت تغربل الحبوب التالفة في محاولة للحصول على حبوب شبه صالحة للاستعمال، وهناك أطفال يقطعون مسافات طويلة باحثين عن الطحين أو المعلبات أو أي شيء يسد الرمق للعائلة.
تكايا ومبادرات
رغم قسوة يوميات الحياة في قطاع غزة، إلا أن هناك مبادرات خيرية وتطوعية تنطلق لمحاولة تأمين غذاء لأعداد من العائلات، وهذه المبادرات كثيرة ولا مجال لحصرها، وعززت عملها مع بداية رمضان.
تتنوع المبادرات، ما بين مساعدات نقدية، طرود غذائية، لحوم تكفي وجبة، وغيرها، إضافة للتكايا الخيرية التي تقوم على طهو الطعام لسد جوع مئات النازحين في أكثر من منطقة.
هذه هي بعض تفاصيل أجواء رمضان في قطاع غزة. إضافة لما سبق، فإن عدداً كبيراً من العائلات تتناول ما تيسر من فطورها، إما في خيام النازحين، أو في الشوارع وعلى الأرصفة، أو داخل مراكز الإيواء، وهناك أيضاً أعداد كبيرة تتناول طعامها على ركام منازلها التي دمرها القصف الإسرائيلي.
عندما نتحدث عن مبادرات وإنزالات جوية أو شاحنات مساعدات أو تكايا خيرية، قد يظن البعض أن الأزمة في طريقها للحل!، ولكن الحقيقة تبدو واضحة عندما نتذكر أننا نتحدث عن نحو (2 مليون) فلسطيني، ومئات آلاف العائلات التي تعيش في قطاع غزة.
الأذان والصلاة والتراويح
باتت الشوارع، أنقاض المساجد، خيام النازحين، مراكز الإيواء، هي مساجد المصلين في قطاع غزة، بعد تدمير غالبية المساجد في الأشهر الأولى من حرب 2024.
الأطفال يحاولون انتزاع الفرحة باستقبال رمضان 2024 بأساليب مبتكرة وقاسية، مثل: فوانيس ورقية، وأخرى مصنوعة من بقايا المعلبات الفارغة، والتلويح بـ"السلكة" المشتعلة.
المسجد العمري الكبير وهو أقدم مساجد قطاع غزة، لأول مرة منذ الفتح الإسلامي لم يستقبل المصلين، بسبب قصفه وتدمير أجزاء كبيرة منه، وتناثر الركام داخله وبمحيطه.
المسحراتي لم يغب عن المشهد وبقي يرافق الفلسطينيين في رمضان 2024 ولكن في معظم المشاهد، يظهر المسحراتي يستخدم "وعاء بلاستيكياً" بدلاً من الطبلة وبدون الزي الشعبي البهيج في هذه الحرب.
تجار الحروب في غزة
أسواق غزة مليئة بالركام، وتنتشر فيها البسطات التجارية، التي تعرض بعض السلع بشكل شحيح، وسط اقبال قليل وحركة شرائية خجولة، والأهم ارتفاع جنوني في الأسعار.
أهالي قطاع غزة ناقمون ليس فقط بسبب الحرب، بل بسبب آثارها، وتحديداً بسبب اللصوصية و"تجار الحروب"، حيث أن الارتفاع المهول في الأسعار يشكل ظاهرة وواقعاً ملموساً وغير مألوف.
السلع الشحيحة وتوقف كل الأعمال وعدم وجود مصدر دخل للعائلات، ليست فقط هي أعظم المشكلات المعيشية التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، حتى لو امتلكتَ المال، فإن كله سيختفي في يوم أو اثنين مع الارتفاع الجنوني بالأسعار، وهذه قائمة بأبرز أسعار السلع التقليدية والبسيطة في قطاع غزة، علماً أن (الدولار الأمريكي يعادل 3.60 شيكل تقريباً):
- كيلو باذنجان شبه صالحة بـ100 شيكل.
- كيلو اللوز بـ120 شيكل.
- كيلو البصل ذو الجودة الرديئة بـ100 شيكل.
- كرتونة البيض "طبق البيض" كان في أشهر الحرب الأولى يتراوح بين 100 إلى 150 شيكل، والآن وصل إلى 300 شيكل تقريباً، (15 بيضة ثمنها 300 شيكل).
- كيلو الفلفل الأخضر بـ200 شيكل.
- غالون شراب عصير بـ150 شيكل، وهو الشراب الذي يتم حلّه وخلطه بالماء ليصبح شراب عصير.
استناداً لما سبق، فإنك تحتاج لمبلغ ( 1000 شيكل) أي (300 دولار أمريكي) لشراء تشكيلة خضروات أساسية مع بعض الاحتياجات الرمضانية التي تكفيك لثلاثة أيام فقط، في وقتٍ أنت تعاني فيه من البطالة والتشرد والجراح واستمرار الحرب!.
رمضان في بقية فلسطين
رمضان 2024 في القدس والضفة الغربية وداخل أراضي الـ48 ليس جيداً هو الآخر، إذ أن الحرب تسبّبت بتسريح أعداد كبيرة من العمال من أماكن عملهم، أو تقليص ساعات العمل، وبات الوضع المعيشي سيئاً وهذا ما انعكس على رمضان هناك.
الحصار الاقتصادي والحواجز المكثفة، أدت لأضرار فادحة في القطاع الاقتصادي وانعكست سلباً على حياة مئات آلاف العائلات، حيث باتت سمة "التقشف" بارزة في الضفة والقدس وغزة، عند غالبية العائلات من الطبقات الفقيرة والمتوسطة والتي تشكل غالبية الشعب الفلسطيني.
غابت الزينة الرمضانية عن الشوارع والساحات العامة بشكل تلقائي، وحتى لم تعد ظاهرة في الغالبية الساحقة من البيوت، لأن الواقع الأليم يعكس نفسه في كل مكان.
خاتمة: رمضان 2024 في فلسطين هو استثنائي ومختلف، ولم تشهده فلسطين منذ سنوات طويلة، والأجواء والطقوس الرمضانية مجبولة بالدم والألم والأوجاع وقسوة الحياة. حتى أن الطقس مختلف في رمضان 2024.
التسميات
حدث في فلسطين